-A +A
عادل المالكي (جدة)
زاوية مطلة على صحن الطواف.. مشرقة على الكعبة المشرفة.. ووصف إيماني مباشر بالصوت والصورة لجموع المسلين الصائمين المعتمرين العاكفين على الطاعة، المبتهلين لعفو الغفار بالدعاء وفي زوايا متفرقة متطوعين يبحثون عن أجر تفطير الصائمين في باحات الحرم المكي الشريف في صورة تتسم بالنقاء وتغتسل بالعبرات.
صوت يدغدغ مسامع المسلمين في كل مكان.. يحكي مشاعر كل من لهجت أساريريه بالشهادتين وانتظر صوت الحق ينطلق من مآذن المسجد الحرام.. أحاسيس بالإيمان حية، وبعظمة الشهر مفعمة ينقلها صوت التلفاز والمذياع بحناجر مذيعي التلفزيون والإذاعة السعودية.. تلك الرحلة الإيمانية التي تحتاج لكل الحواس.. ولقلب مفعم بالإيمان يلتقط الصور ويترجمها بلغة البيان لتكون سحراً يتسلل إلى القلوب وتسيل على إثره المقل.

تفاصيل رحلة التعليق على المشهد الإيماني يرويها الإعلامي السعودي سامي عنبر الذي ينطلق إلى الحرم المكي مسابقاً رحلة الغروب، يسبقه خياله إلى أطهر بقاع الأرض في رحلة لا تحتاج لترتيب أبجدية فالمشهد تصفه الأفئدة قبل الأحرف، وطبقات الصوت تتأرجح تلقائياً فالقصة في ردهات الحرم المكي بغير حاجة لأوراق إعداد وخطة عمل فالكل هناك على سجيته.
يقول سامي عنبر يعمل فريق المعلقين وفق جدول معد سلفاً وفي اليوم الذي أكون مكلفا فيه بالوصف والتعليق أنطلق لأصلي العصر في المسجد الحرام، وهناك في المكان المخصص للتعليق على اللحظات الإيمانية التي تسبق الإفطار أبدأ في تأمل حركة المعتمرين وتوافد أهل الخير لتقديم وجبة الإفطار، كل هذه العوامل كفيلة بأن تكون خير إلهام لأبلغ تعليق لأكبر تجمع منظم تشهده البسيطة في صورة نقية يبللها خشوع الابتهال وطلب الغفران.
وعن آلية التعليق يذكر عنبر أن رمضان أمل النفوس الظامئات إلى الغفران ،
شهر بل نهرُ ينهل من عذوبته الأنام، وتطوف الأرواح سابحة كأسراب الحمامْ ، بيضٌ يجللها التقى نورا، ويصقلها الصيام، تسمو بها الصلوات والدعوات تضطرم اضطراما، هذه الصفات حين تكون على أطهر بقعة على البسيطة أكبر خطة إعدادية لأي مذيع يريد أن يسلط الضوء على المشهد الإيماني الكبير عبر نوافذ الزجاج المطلة على الكعبة المشرفة والشاشات المعدة في غرفة التعليق لهذا الغرض.
ونوه عنبر إلى أنه يجب أن يمتلك المعلق إمكانية لغوية واسعة وخيالا أدبيا ويكون متمكنا من المفردات اللغوية إضافة لامتلاكه صوتا متميزا يطوعه حسب مقتضيات الحالة والحدث الذي تلتقطه الكاميرا والذي ينقل للمشاهد ويؤثر فيه مستغلاً كل اللقطات التي تلامس الوجدان الإيماني لقلوب المتابعين.
وتابع الإعلامي سامي عنبر قائلا: رمضان في الحرم المكي مدرسة إعلامية شاملة لابد لأي إعلامي أن يستفيد منها إذ أن صوته يصل إلى كل المسلمين الذين يحرصون على متابعة القنوات السعودية في اللحظات التي تسبق الإفطار ، اللحظات التي يكون فيها صوت المذيع ليس صوته فحسب بل صوت الوطن، ومن هذا المنطلق لا بد من حضور الخشوع الذي يولد تلقائيا فالمشهد كفيل بذلك إضافة لسرعة البديهة وحضور الحس في التعليق على كل ما تقع العين عليه في وقت يكون التعليق حيا مباشرا وآنيا لم يرتب له مسبقا وهذا وجه الاختلاف بين ما نؤديه وبين التقرير التلفزيوني المعد سلفا.
وأكد عنبر أن تضافر وانسجام التعليق مع الصورة قاعدة أساسية لنجاح الوصف كما أن التفكير المبدع الخلاق يحقق عملاً ناجحاً مقنعاً ومؤثراً يبقى طويلاً في ذاكرة المشاهد وهذا ما يحرص المذيع على تأديته. وعن سر قرب عبرة عنبر التي تأبى أن تفارقه في كثير من الأحيان التي يتولى فيها الوصف والتعليق يقول عنبر «الإعلامي في المقام الأول بشر يتأثر ويؤثر وفي موقع مقدس كالحرم المكي الذي قال عنه الرسول صلى الله عليه وسلم مخاطبا عمر بن الخطاب رضي الله عنه (هنا تسكب العبرات) يتجلى صادق الإحساس حين تسلط الكاميرا عدستها على صائم يبتهل إلى الله داعيا وآخر يتلو من القرآن ما تيسر إضافة إلى أن المذيع هنا يجب أن يستعيد شريط حياته مسترجعاً ما تقدم من ذنوب وأخطاء وهذه الأمور كفيلة بترقيق الأفئدة وانسكاب الدمع فالجميع في هذا المشهد راغب في عفو الكريم».
وتحدث الإعلامي سامي عنبر عن أبرز المواقف التي مر بها -والتي لم يتمالك فيها نفسه عن البكاء- «أنه لفت نظره رجل فارع الطول من الباكستان كان يحمل والده ليؤدي الفريضة... وأضاف: لم أتمالك نفسي في تلك اللحظة التي أكاد أجزم بأن جميع من شاهدها ذرفت عيناه الدمع فالصورة كانت تتحدث عن نفسها إذ أن الموقف كان قمة في البر بالوالدين ومحاولة من ذلك المعتمر لرد الجميل لهما فتذكرت ماذا قدمنا لوالدينا، واستلهمت عظمة الإسلام الذي جعل طاعتهما واجبة وطريقا للجنة».